Friday, February 29, 2008

قصة ابى محجن الثقفى وسلمى زوجة سعد بن أبى وقاص فى القادسية

وكان أبو محجن الثقفي محبوساً في أسفل القصر، فسمع انتماء الناس إلى آبائهم وعشائرهم، ووَقْعَ الحديد وشدة البأس، فتأسف على ما يفوته من تلك المواقف، فحبا حتى صعد إلى سعد ستشفعه وشتقيله، وسأله أن يخلي عنه ليخرج، فزجره سعد وردَّه، فانحدر راجعاً، فنظر إلى سلمى بنت حفصة زوجة المثنى بن حارثة الشيباني، وقد كان سعد تزوجها بعده، فقال: يا بنت حفصة، هل لك في خير. فقالت: وما ذاك. قال: تخلين عني وتعيريني البلقاء وللهّ عليَّ إن سَلمني اللهّ أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في القيد، فقالت: وما أنا وذلك. فرجع يرسف في قيده وهو يقول: كفى حَزَناً أن ترتدي الخيل بالقَنَا وأترك مشدوداً علي وثـاقـيا
إذا قمت عناني الحديد فأغلقـت مصاريع من دوني تُصِمُّ المناديا
وقد كنت ذا مال كثير و ثـروة فقد تركوني واحداً لا أخـالـيا
فللّه عهد لا أخِـيس بـعـهـده لئن فرجت أن لا أزور الْحَوَانِيَا
فقالت سلمى: إني استخرت اللّه ورضيت بعهدك، فأطلقته، وقالت: شأنَكَ وما أردت، فاقتاد بلقاء سعد، وأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق، فركبها ثم دبَّ عليها، حتى إذا كان بحيال ميمنة المسلمين كبر، ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفين، فأوقف ميسرتهم وقتل رجالاً كثيراً من فُتَّاكهم، ونكس آخرين، والفريقان يرمقونه بأبصارهم، وقد تنوزع في البلقاء فمنهم من قال: إنه ركبها عُرْياً، ومنهم من قال: بل ركبها بسَرْجٍ، ثم غاص في المسلمين، فخرج في ميسرتهم، وحمل على ميمنة القوم فأوقفهم، وجعل يلعب برمحه وسلاحه لا يبدو له فارس إلا هتكه، فأوقفهم، وهابته الرجال، ثم رجع فغاص في قلب المسلمين، ثم برز أم أمه م ووقف بإزاء قلب المشركين، ففعل مثل أفعاله في الميمنة والميسرة، وأوقف القلب حتى لم يبرز منهم فارس إلا اختطفه، وحمل عن المسلمين الحرب، فتعجب الناس منه، وقالوا: من هذا الفارس الذي لم نَرَهُ في يومنا. فقال بعضهم: هو ممن قدم علينا من إخواننا من الشام من أصحاب هاشم بن عتبة المرْقَال، وقال بعضهم: إن كان الخضر عليه السلام يشهد الحرب فهذا هو الخضر قد مَنَّ الله به علينا وهو علم بصرنا على عدونا، وقال قائل منهم: لولا أن الملائكة لا تباشر الحروب لقلنا إنه ملك، وأبو محجن كالليث الضَرْعام قد هتك الفرسان كالعقاب يجول عليهم، ومن حضر من فرسان المسلمين مثل عمرو بن معد يكرب وطلحة بن خوَيلد والقعقاع بن عمرو وهاشم بن عُتْبة المرقال وسائر فُتَّاك العرب وأبطالها ينظرون إليه، وقد حاروا في أمره، وجعل سعد يفكر ويقول وهو مُشْرف على الناس من فوق القصر؛واللّه لولا محبس أبي محجن لقلت هذا أبو محجن وهذه البَلْقاء، فلما انتصف الليل تحاجز الناس، وتراجعت الفرس على أعقابها وتراجع المسلمون إلى مواضعهم على بقيتهم ومصافهم، وأقبل أبو محجن حتى دخل القصرمن حيث خرج ولا يعلم به، وَرَدَّ البلقاء إلى مربطها وعاد في محبسه ووضع رجله في القيد، ورفع عقيرته وهو يقول: لقد علمت ثَقِيفٌ غير فخـر بأنا نحن أكرمهـم سـيوفـا
وأكرمهم درُوعاً سابـغـاتٍ وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا
وليلة قاعس لم يشعروا بـي ولم أشعر بمخرجي الزحوفا
وأنا رِفدهـم فـي كـل يوم فإن عتبوا فسل بهمُ عريفـا
فإن أحبس فذلـكُـمُ بـلائي وإن أترك أذيقهم الحتـوفـا
فقالت له سلمى: يا أبا محجن، في أي شيء حَبَسَك هذا الرجل. تعني سعداً، قال: وأنا امرؤ شاعر يدبُّ الشعر على لساني فأصف القهوة وتداخلني أريحية فألتذ بمدحي إياها، فلذلك حبسني لأني قلت فيها: ذا مت فادفني إلى جنب كَـرْمَة روِّي عظامي بعد موتي عروقُهَا
لا تدفنني بـالـفـلاة فـإنـنـي خاف إذا ما مُتُ أن لا أذقـهـا
وهي أبيات.
وقد كان بين سلمى وسعد كلام كثير وجب غضبه عليها، لذكرها المًثَنَّى عند مختلف القنا، فأقامت مغاضبة له عشية أغواث وليلة الْهَرِير وليلة السواد، حتى إذا أصبحت أتته فترضَّتْه وصالحته، ثم أخبرته خبرها مع أبي محجن، فدعابه، فأطلقه وقال: اذهب فما أنا مؤاخذ بشيء تقوله حتى تفعله، قال: لا جَرَمَ واللّه لا أجبت لساني إلى صفة قبيح أبداً.

No comments: